ككائن اجتماعي، أشعر بقشعريرة مزمنة جراء هذه الخروقات والانتهاكات المتفاقمة التي ما فتئت تنهش في بنية منظومة قيمنا الاجتماعية والتي لم نحسن وضع حزام أمان أخلاقي وإنساني بديل لها، أو بناء خط دفاع آخر ، فبعد أن كانت المسلمات والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع تلعب مثل هذا الدور آنذاك على المقاس نفسه وبكفاءة عالية والتي كانت نقطة ارتكازها تقوم على الانضباط الديني والأخلاقي في قالب واحد متكامل، قبل الشروع لاحقا في الإطاحة بهذا النظام الاجتماعي الدقيق، وخلق عرى هذا الانفصام بين الديني والاجتماعي، ودق هذا الاسفين على الرغم من كونه كان كفيلا بإنتاج مجتمع متدين بإبعاد وأطر اجتماعية وأخلاقية وإنسانية رفيعة ومتوازنة تسودها السماحة. وبعيدا عن قضايا الأدلجة والتطرف ذات المغزى البعيد التي كانت ممارساتها في ذلك الزمن الجميل لا تقوم على الوعظ المجرد فقط، وإنما على السلوك القويم والقدوة الحسنة في الأفعال قبل الأقوال، وهي السمة الخفية التي كان عليها آباؤنا وأجدادنا، بما في ذلك أولئك الواعظون الأوائل الطيبون والمتسامحون، وطالما أتاحت لنا بركات هذه السماحة، وتلك البيئة الاجتماعية النظيفة والمترعة بالقيم الإنسانية الرفيعة إشباع حاجات الإنسان الوجودية والفطرية والحفاظ على استقراره وتوازنه النفسي قبل أن يطغى كل هذا الشطط الكبير، ويطيح بالمكونات النفسية والتوازنات الاجتماعية، وما ترتب عليها من اضطرابات نفسية وتعقيدات اجتماعية لا قبل لنا بها بعد أن حل محله وعظ هائج يحتفي بالشكل ويغيب المضمون ويسعى لتحييد البعد الروحاني بكل ما أوتي من قوة؛ ليحل محله البعد الشكلاني الذي يتسم بالعنف والتوتر والمفعم بروح الانتقام وهو ما نسف مكونات هذه القيم السائدة من جذورها دون أن ينجح في بناء وترسية لائحة قيم بديلة تقوم على منهجه، وهذا ما ساهم في إيجاد هذا الفراغ وإنتاج مجتمع حائر مشتت الفكر تقوم سلوكياته على الهياج والمتناقضات الاجتماعية بكل ألوانها وأشكالها التي تسللت من فجوة الاضطراب في المنهج البديل والتناقض التام بين ما يطرحه دهاقنة هذا المنهج من مواعظ وما يقومون به من ممارسات على أرض الواقع، وفي اعتقادي أنها كانت الشرارة الاجتماعية، وبداية حقبة الانشطار الايدولوجي والسسيولوجي والقيمي الذي قلب الموازين، وولد هذا الانفراط في منظومة هذه القيم والاخلاقيات العامة إلى الدرجة التي نحن عليها اليوم والتي للأسف لم نخلق بعد مرجعية بديلة يمكن أن نؤسس عليها بديلا ناجحا أو إعادة إنتاج جديد لمنظومة هذه القيم على أرض الواقع.
Alholyan@hotmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات، 636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 161 مسافة ثم الرسالة
Alholyan@hotmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات، 636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 161 مسافة ثم الرسالة